مقالة بعنوان : فنجان «رشوة»..! ☕️*
✍️بقلم/ إبراهيم يحيى الوشلي
كان جالساً أمامي مباشرة، لكل منا كرسي خشبي، وتفصل بيننا طاولة عليها فنجانان من القهوة، ويسود الأجواء مزيج من الهدوء والريبة.
أخذت الفنجان وبللتُ يُبوسَ شفتيّ برشفة سريعة، ثم بدأت الحوار:
– أتمنى أن تكون صريحاً في كل حرف تقوله يا هذا، فقد خضت المتاعب لأحظى بهذا اللقاء.
ابتسم في خبث وهو يقول:
– لا تقلق، عليك السؤال ومني الجواب.
ثم دار بيننا هذا الحديث..
– قبل كل شيء أخبرني لماذا يكرهك الجميع، حتى مُريدوك وأتباعك يرمونك بأقبح الشتائم؟
– هذا حالنا نحن الذنوب، مهما هام المرء في عشقنا، يظل عاجزاً عن الجهر بمشاعره نحونا.
– أممم.. كم تبلغ من العمر..؟ وهل ستموت في يوم ما؟
– لا عمر لي أيها الشاب العشريني، ولكن أعدك بأنني سأموت عندما تطلع الشمس من جهة الغرب.
– ولكن.. ماذا تعمل لتعيش؟
– أقتل النزاهة، وأستأصل الشرف، وأسحب الرفعة إلى الأسفل، لتصير ضعة لا آخر لها.
– لقد استبشر الناس بثورة 21 أيلول، آملين أنها جاءت لتقضي عليك، لكن ما الذي حدث؟
– اسمعني جيداً يا بني، أنا لا أتبدد، بل أتمدد، لا شيء يستطيع القضاء علي، ورغم هذا أقسم إنها كادت تقتلني، لولا صديقي الذي أنقذ حياتي وأمدني بالطاقة.
– لم أفهم ما ترمي إليه، زدني شرحاً!
– حسناً.. كنت أعيش أحلى سنواتي قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء، وبعدها بدأت قوتي تتلاشى شيئاً فشيئا، حتى جاء صديقي «التحالف» وأنقذني في آخر لحظة، وها أنا قوي من جديد، كفارس بلغ أشده للتو.
– وكيف تمكن صديقك من إنقاذ حياتك؟
– بإشغالهم بمحاربته عن محاربتي، ليتسنى لي نشر جيشي في كل وزارة ومنشأة ومؤسسة.
– وما هو الهدف الذي تسعون إليه؟
– قلبُ حياتكم رأساً على عقب، صدقني سوف ترون فوضى لا حد لها، فأنا أزيد الوضع سوءاً، والتحالف يحاصركم وينشر رجاله المتذمرين والمحرضين في الشوارع، ليقنعوا الناس أن الحوثيين سبب كل مصيبة، وإذا نجحت خطتنا وانقلب بعض الأغبياء.. ضمنت أنا وصديقي حياتنا.
– وكيف السبيل لدرء هذه المصيبة؟
– سبيل النجاة الوحيد هو القضاء عليّ قبل التحالف. الشعوب بطبيعتها تتعلق بالحاكم الذي يكون شديد الحزم مع المسؤول الفاسد، وتندفع لاإرادياً للدفاع عنه والقتال إلى جانبه لو تطلب الأمر، وما دون هذا كلام فارغ.
في هذه اللحظات، ترامى إلينا صوت «القهوجي» وهو يطالب بحسابه، التفت نحوه وأنا أدخل يدي في جيبي ودفعت له ثمن قهوته، ثم نهضت وتقدمت خطوتين إلى الأمام حيث يجلس *«الفساد»*، شكرته بهدوء ودسست في جيبه مبلغاً من المال «كرشوة بسيطة»، لقاء خيانته لشريكه التحالف والإفصاح بخطتهما الخبيثة، وغادرت.