مات القاتل وعاش الشهيد
بقلم / عبد العزيز البغدادي
مثلت عملية اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي الذي لم يكن مشروعه مجرد ضجة إعلامية يثيرها المفسدون لتغطية ما يفعلون محطة خطيرة من محطات التدخل السعودي الوقح في شئون اليمن الموجه ممن يدير تقاسم المصالح غير المشروعة التي تقوم عليها علاقات الغرب الأمريكي الأوروبي بالشرق العربي الإسلامي خاصة منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية التي تأسست على الغلبة والغزو باسم الإسلام ونخَرها الفساد وشره التسلط والاستبداد.
ونظراً لموقع اليمن وثرواته فإن نصيبه من المؤامرات هو الأوفر ومن الأسباب ابتلاءه بأسوأ جار صنعته بريطانيا بالحروب والدماء على أراضٍ أغلبها يمنية !، والمستعمر البريطاني والمعسكر الذي ينتمي إليه يدير لعبة توزيع تلك المصالح منذ خُدع الشريف حسين بالتحالف معه ضد العثمانيين، وفي هذا السياق أوحى لعميله مؤسس المملكة السعودية عبد العزيز وصيته المعروفة لأبنائه خيركم من اليمن وشركم من اليمن ) وهي دعوة ليس ليحسنوا الجوار وإنما لاستمرار التدخل في شئونه بمختلف الوسائل وأنشئت لذلك (اللجنة الخاصة) وهي شبكة من المخبرين بائعي الأوطان وتجار السياسة ، وعينت للجنة سلطان بن عبد العزيز أبرز صقور بني سعود حينها كما يصفه مراقبون ، وحقيقة الأمر أن النظام برمته صُنع السياسة البريطانية الأمريكية الصهيونية وأداة من أدواتها في المنطقة ، وخُصصت للجنة ميزانية لشراء العملاء نصفها كان يذهب للمشرف الذي وجد أنهم رخاص لدرجة لم يكن يتوقعها وهو ما أكده دورهم في العدوان الحاصل على اليمن.
لقد لعبت المخابرات الغربية دوراً واضحاً في حرف مسار الحركات الثورية قبل وبعد هزيمة 1967 باتجاه دعم الاستبداد باسم الثورة وتشويه أي تغيير حقيقي، ومن ذلك دعم تيار الفساد في اليمن لإضعاف سلطات الدولة وكبح جماح أي تغيير للأفضل وكان القاضي/ عبد الرحمن الارياني قد أربكته إدارة لعبة التوازنات بين مراكز القوى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات؛
في هذه الظروف تمكن الشهيد الحمدي بأسلوب عبقري سلمي من التقاط اللحظة في 13/ يونيو 1974 والإمساك بزمام المبادرة ليحمل مشروع بناء سلطة يمنية لحفظ استقلال اليمن ونقله من الحلم إلى التطبيق ، وكان همه الأول هو القضاء بوسائل سلمية على مراكز القوى غير مكترث بما تخطط له واستعدادها للذهاب في عمالتها إلى أقصى درجات القذارة والانحطاط ، رغم كل التحذيرات ، ولأن الشهيد كان في حالة سباق مع الزمن فقد حقق في ثلاث سنوات ، مالم يتحقق في خمسين عاما تقريباً وبذلك تخلد في ذاكرة ووجدان اليمنيين رغم الأقاويل والترهات المختلقة التي حاول نظام القتلة إلصاقها به على مدى ثلاثة وثلاثين عاماً محاولين محو ذكراه، لاحظوا ثلاثة وثلاثين عاما من الافساد والطغيان الممنهج للقاتل عجزت عن محو ذكرى ثلاثة أعوام من العمل الشريف للشهيد !، لذلك سارَعَتْ السعودية باستخدام أدواتها المحلية القذرة لتنفيذ جريمة ستبقى وصمة عار في سجل من نفذها وفي تأريخ اليمن تمحو ذكر القاتل وتخلِّد ذكرى الشهيد.
رُسمت سيناريوهات تنفيذ الجريمة في الرياض وصنعاء وخَمِرْ ، وتمكنوا من اغتيال جسد الشهيد وعجزوا عن اغتيال حُلمه ، وتلاشى زبد ثلاثة وثلاثين عاما في طرفة عين على أيدي من حَملوا ومازالوا يحملون راية الدفاع عن اليمن ضد تحالف العدوان السعودي الإماراتي الموجه والمدعوم أمريكياً وصهيونيا وهو نفس التحالف الذي اغتال ابراهيم الحمدي بأقذر الأدوات.
ملاحظات سريعة حول المؤتمر الصحفي:
أولاً: كان المؤتمر الذي عقده الأخ العميد عبد الله عامر نائب مدير الشئون العامة والتوجيه المعنوي للقوات المسلحة في 26 / 11/ 2019خطوة مهمة أصبح بعدها التحقيق الجنائي الجاد أكثر إلحاحا لإنهاء التلاعب السياسي والإعلامي بالقضية قبل أن يهلك بقية المشاركين في الجريمة.
ثانياً: سيؤدي التحقيق إلى كشف جميع الأدوار وكيف استُخدم الغشمي غطاءً لتحميله كامل مسؤولية الاغتيال وليتم إيصال علي عبد الله صالح إلى الحكم لولائه المطلق للسعودية التي حاولت إظهار خلاف ذلك لثقتها في استعداده لتنفيذ أي مهمة مهما كانت قذارتها ومناقضتها للمصلحة الوطنية كما أوضحت ذلك الوثائق التي كشفها المؤتمر الصحفي ، وإلا فهل يعقل أن تصل البلادة بالغشمي لأن يدعو رئيس الجمهورية إلى منزله في مأدبة غداء ويتم قتله في وضح النهار ويصعد إلى الحكم ليتم القضاء عليه بعد سبعة أشهر وإسناد اغتيال الغشمي للجنوب وللشهيد سالم ربيع علي تحديداً الذي كان على وشك التوقيع على وحدة حقيقية مع الشهيد الحمدي وهي خطوة تناقض رغبة السعودية وتمس مصالح داعميها وكل هذا بإخراج المخابرات الأمريكية والفرنسية وتنفيذ السعودية وأدواتها ؟؟؟
هذه الواقعة وحدها تكفي لإظهار حقيقة أن المنفذ الرئيس لفاجعة الاغتيال البشع هو علي عبد الله صالح ناهيك عما قام به خلال فترة حكمه من إفساد ممنهج لمؤسسات الدولة ولأخلاق المجتمع وتدمير الوحدة بالوحدة ثم التنازل عن أكثر من ضعف مساحة جيزان ونجران وعسير بموجب اتفاق جدة عام 2000 لتتحول معاهدة الطائف 1934 من معاهدة مؤقتة تؤرق السعودية إلى اتفاق يزعم موقعوه أنه اتفاق نهائي ، والحقيقة أنه اتفاق منعدم لمخالفته المادة (1) من الدستور اليمني .
ثالثاً: – كان من البديهي قانوناً لو لم يكن نظام الثلاثة والثلاثين سنة هو القاتل مصادرة البيت الذي تمت فيه عملية الاغتيال وإصدار قرار بتحويله إلى : (مركز الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي) يهتم بتوثيق الجريمة وتخليد ذكراه ، وذكرى جريمة الغدر بالسيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي وتوثيق جرائم العدوان على اليمن وجرائم حرب 1994 وحروب صعدة وإقامة دورات حول تأريخ اليمن الموحد السياسي والوطني .
رابعاً :- عن معرفة مؤكدة لست مع القائلين بانتماء الشهيد الحمدي إلى الحزب الناصري واعتقد أن انتماء أي شخص لأي حزب ليس ميزة وعدم انتمائه ليس منقصة ، فلا يجوز مثلاً تخوين جميع الناصريين واتهامهم بالعمالة لأن بعض قيادات وأعضاء الحزب مثلوا حالة مقززة من العمالة والتبعية للسعودية المتورطة في اغتيال الشهيد الحمدي بتلك الصورة المهينة لكل يمني وكل حر في العالم لأن تعميم الحكم على كل ناصري بالعمالة والخيانة يجافي العدالة .
أظهروا للناس ديناً * وعلى الدينار داروا
وله صاموا وصلّوا * وله حجُّوا وزاروا
لو بدى فوق الثريّا * ولهم ريش لطاروا