وأطفالنا عالقون في البئر يا ريان!

بقلم / عبدالرحمن الأهنومي

 

كلنا تابعنا بخوف ولهفة وحزن ووجع تفاصيل عملية إنقاذ الطفل المغربي ريان، وحزنا بالأمس حينما وصل عمال الإنقاذ إليه في قعر البئر وقد فارق الحياة، فرحم الله ريان الطفل الصغير، وجبر الله قلب والديه.
وكلنا تابعنا الجهود لإنقاذ الطفل ريان من البئر التي وقع فيها، وتابعنا التضامن العالمي الكبير، وتابعنا مشهد الحادث المأساوي للطفل الصغير ريان، وتابعنا كيف اكتسبت المأساة شعبية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي التي شارك فيها الملايين بالتغريدات والمنشورات وفي مختلف المنصات، طالبين الدعاء لريان كي يخرج حياً من جوف البئر.
وعلى وقع المتابعة لعملية إنقاذ الطفل ريان الذي علق في جوف البئر منذ الثلاثاء الماضي حتى ليلة الأحد، كنا نتذكر حسرة الآباء والأمهات اليمنيات الثكالى اللاتي فقدن أطفالهن الذين استشهدوا بالغارات السعودية الأمريكية والأوروبية وحتى المغربية، لم يتركن باباً إلا وطرقناه، ولا ضميرا إلا واستصرخناه، لم يستجب أحد، لم يلتفت أحد ولم يكترث، ولا مقارنة بين موقف هذا العالم المأفون إزاء الطفل ريان، وبين موقفه إزاء 15 مليون طفل يمني يموتون ويُجرحون ويحاصَرون ويفقدون الأمل يومياً.
«ما أرخص الطفل ريان في بلدي»، قول غير سديد ولا سليم، لكنه الحال المؤسف الذي تعكسه معايير هذا العالم المأفون، فإذا كان ريان طفلاً مات في جوف البئر فيما كانت فرق الإنقاذ تحاول إنقاذه حيا، فإن في اليمن 15 مليون طفل يشبهون ريان في مأساته، وفي عمره الصغير، وفي أن لهم آباء وآمهات وقلوباً مكلومة، يموتون يومياً في ألف بئر سحيق حفرها القتلة والمجرمون والسفاحون وبعضهم ذرفوا الدموع على الطفل ريان، ولا أحد يدعو ويتضامن، ولا أحد يكترث لإنقاذهم، إن لم يكونوا يباركون قتلهم ودفنهم وتقطيعهم.
فمنذ سبعة أعوام لم يدخر تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي البريطاني الغربي الأطلسي العربي والصهيوني وسيلة ولا أداة ولا أسلوباً من وسائل القتل والإماتة لأطفال اليمن، الأرقام والبيانات والصور والمشاهد تفيض بأقران ريان وأمثاله الصغار، فمن طفل قُتِلَ تحت الأنقاض إلى آخر مات تحت ركام القصف إلى ثالث قطَّعته الغارات إلى رابع تمزَّق بالشظايا إلى خامس قتلته الطائرات وهو ذاهب صباحاً إلى المدرسة، إلى عاشر ومائة وألف وعشرة آلاف قُتلوا قصفاً وحصاراً تحت الركام وبين الأنقاض وفي المدرسة والمنزل والحديقة، قُتلوا نياماً وأيقاظاً وفي حالات كثيرة ومختلفة.
هناك ألف وسيلة وأسلوب استخدمها المجرمون ابن زايد وابن سلمان وقادة وزعماء أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية لقتل أطفال اليمن، لم يكن أطفال اليمن شهداء بالقصف فقط، بل قُتلوا بأدوات كثيرة يستخدمها تحالف العدوان في ارتكاب الجريمة.
وقد بلغ عدد الأطفال الذين قُتلوا بالغارات في العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الأوروبي منذ بداية العدوان على اليمن 3825 شهيداً و4157 جريحاً، وهناك أكثر من 10 آلاف طفل ماتوا بفعل الحصار وانعدام الأدوية وأساسيات الحياة، وحوالي 600 ألف طفل من الخُدج يحتاجون إلى الوقود والحضانات للبقاء على قيد الحياة، وهناك أكثر من 400 ألف طفل يمني مصاب بسوء التغذية الوخيم، منهم 80 ألفاً مهددون بالموت، وأكثر من 3 آلاف طفل مصابين بتشوهات قلبية بسبب الأسلحة المحرمة، وفي هذه الحالة لم يكتف القتلة بالتسبب في هذه التشوهات فقط، بل ومنعوا إدخال الأجهزة الكهربائية الخاصة بمرضى القلب.
نحو نصف مليون طفل دون سن الخامسة باتوا معرضين لخطر الموت جوعا، و50 في المئة من الأطفال بالفئة العمرية نفسها يواجهون خطر سوء التغذية الحاد في اليمن، هذه الأرقام تقولها الأمم المتحدة، وهناك أكثر من 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة في اليمن يعانون الجوع بفعل العدوان والحصار، ومثل هذا العدد أطفال لا يذهبون كل صباح إلى المدرسة بسبب الظروف والنزوح والأوضاع المعيشية وتدمير المدارس.
الطفولة المقطعة في حافلة ضحيان وهي تستصرخ ضمير العالم المأفون لم يكن هناك مجيب ولا ضمير، فقد مات الضمير وكل ما نسمعه اليوم نفاق فارغ.
بماذا كان يشعر هؤلاء الذين تضامنوا وادعوا الحزن والوجع وهم يقتلون ويقطعون أجساد أقرانك من الصغار يا ريان؟ بماذا كان يدعون؟ وماذا كانوا يأملون؟ هل كانوا يحاولون إنقاذهم؟ لقد كانوا يتلذذون بتمزيقهم وتقطيع أجسادهم يا ريان ويتباهون بالطفولة الممزقة؟ أنت تعلم يا ريان، والله وحده يعلم أنهم مجرمون قتلة، لو قدر لهم أن يقتلوك بغارة لقتلوك وبدون أسف، ولو قدر لهم أن يدفنوك تحت الركام لما ترددوا، وقد كان البئر أرأف بك مما يفعلونه بأقرانك في اليمن وأرحم منهم.