معاناة اليمنيين المضاعفة بالحرب الأمريكية القذرة

بقلم / عبدالرحمن الأهنومي

 

الهزات التي طالت أسواق الطاقة في العالم جراء القرارات الأمريكية الغربية بحظر النفط والصادرات الروسية ستطال حياة اليمنيين، الذين تعتصرهم الحرب الأمريكية الغربية العربية منذ ثمانية أعوام بالقصف والتدمير والحصار والتجويع وبكل صنوف وأشكال الإماتة والقتل والإفقار.
بلادنا مزقتها الحرب التي تحالف فيها الغرب والشرق من أمريكا والصهاينة إلى أعراب الخطيئة والخنى، إلى المأجورين والمرتزقة، واشتركت في الحرب عليها عشرات الجيوش والجماعات والآلاف المؤلفة من المأجورين المرتزقة المستجلبين من أصقاع الدنيا كلها، واحتشدت فيها تحالفات النفط والدولار والإرهاب والسلاح من أنظمة الطغيان والنهب والإجرام في العالم، بلادنا تعاني أسوأ أزمة إنسانية في العصر الحديث من قبل أن تندلع الحرب الروسية الأوكرانية، ولم تكن تنقصها تلك الحرب التي أحدثت هزات عاصفة في أسواق الطاقة والغذاء في العالم.
منذ ثمانية أعوام تقود أمريكا – التي تعد أكبر تجار الأسلحة والحروب – تحالفا عسكريا من عشرين دولة تملك أكبر مخزونات النفط والدولارات والخطايا، حربا شعواء أحرقت الأخضر واليابس في اليمن، لم تستهدف الحرب الشعواء الهواء فقط، بل استهدفت حياة ومعيشة كل اليمنيين في كافة اليمن.. دمرت بلدا يرزح تحت الفقر المدقع منذ عقود.. تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم المعاصر.. ولم يكن ضحاياها نصف اليمنيين فقط، بل جميع اليمنيين كانوا أهدافا للحرب وضحايا لها؛ النساء؛ الأطفال؛ العجائز؛ الكبار الشباب قتلوا، الجميع حوصروا وجوعوا وماتوا ومرضوا وتعرضوا للفقر والمعاناة.
اليمن يتعرض لحرب إبادة شاملة منذ ليل السادس والعشرين من مارس 2015 وإلى اللحظة مستمرة بلا هوادة، منذ اللحظة الأولى لإعلان الحرب أعلنت الدول الغربية وأمريكا والعرب والعجم التأييد والتصويت بالإجماع للحرب على الشعب اليمني، فتدفقت الإمدادات بالأسلحة والوفود والجيوش والمأجورين من أمريكا والغرب والصين إلى السعودية والإمارات ومن كل الدول والأصقاع.
منذ اللحظة الأولى قصفت الأسراب الحديثة من الطائرات الحربية والمقاتلة والأباتشي والدرونز والأواكس، المدن والمناطق السكنية وحولتها إلى أثر بعد عين.. دمرت أسواقا ومستشفيات ومدارس ومصانع ومخازن وناقلات الغذاء ومضخات الماء ومحطات الوقود، وجسورا وطرقا تربط المدن ببعضها، وموانئ ومطارات وشاحنات وسيارات وأفراحاً وأتراحاً وحولت الأعراس إلى مآتم والأفراح إلى عزاء، لقد أمطروا بنيران الأسلحة الدقيقة والفتاكة على الأحياء السكنية، لقد أشعلوا اليمن من أقصاه إلى أقصاه بالغارات واستخدموا صواريخ دقيقة وفتاكة ومحرمة، مدننا وقرانا ومعائشنا وحتى هواؤنا وجبالنا تعرضت للقصف والغارات.
ما يقرب من 400 ألف غارة أطلقت على اليمن، وكل غارة لم تخطئ أهدافها بقتل إنسان، أو تدمير سبيل من سبل الحياة والمعيشة، ومنذ ليل 26 مارس قرروا عزل شعب كامل عن العالم وأغلقوا البر والبحر والجو ومنعوا دخول الغذاء والوقود والدواء والضروريات كافة إلا ما شاءوا ومتى شاءوا، فتقطعت سبل اليمنيين وقتلوا بالقصف والتجويع.
واختار تحالف العدوان بقيادة أمريكا والغرب استراتيجية الإماتة الشاملة بالقصف والقتل بالغارات، وبجعل ظروف معيشة المواطنين غير محتملة، والهدف هو دفع الناس للانقلاب على سلطاتهم والقبول باحتلاله لليمن.. ومنذ 2015، أغلق تحالف العدوان والحصار كل منافذ اليمن البرية والبحرية والجوية، وأغلق ميناء الحديدة في وجه الواردات من الوقود والسلع والمساعدات، إلى اليمن الذي يعتمد في حياته على الاستيراد بنسبة 80%.
جاء التبرير الرسمي للحصار في شكل قرار أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216، والذي تضمن حظرًا لتوريد الأسلحة، وعلى أرض الواقع كان القرار ذريعة لمنع وصول الاحتياجات الضرورية (الغذاء والوقود).
تعرضت خطوط الاستيراد للاهتزازات والإغلاق والتوقف وبات إدخال السلع والوقود إلى اليمن مخاطرة ومجازفة، لم تتوقف أزمات الوقود على طول فترات الحرب العدوانية، لتزداد ضراوة في الأعوام الأخيرة بعدما فشل العدوان عسكريا وصعد من حرب التجويع والحصار.
ليس هناك شك أن بعض الوقود وبعض المواد الغذائية تصل بالفعل إلينا ولكن عبر طرقات ومسالك أشبه بشبكات التهريب، وبكميات لا تقارن بالاحتياجات الفعلية.
يحتجز تحالف العدوان سفن الواردات جميعا في نقاط تفتيش بحرية، ويضاعف بالحجز كلفة الاستيراد، يفرض التحالف على الموردين الشراء من دويلة الإمارات والاستيراد من موانئها ويمنع ويحظر الاستيراد من أي موانئ أخرى، لا يسمح تحالف العدوان لكثير من السلع بدعوى أنها تسهم في صناعة الأسلحة بالوصول إلى اليمن.
أغلق العدوان مطار صنعاء الدولي، قام العدوان بإغلاق المعابر أمام أي صادرات زراعية أو غيرها من اليمن إلى الخارج، وقام بنهب وتجريف وسرقة الثروات اليمنية جميعا.
قام العدوان بتدمير أهم ركيزة اقتصادية في اليمن، وهو البنك المركزي حينما قام في سبتمبر 2016، بقرصنة ونقل عمليات البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن، فأوقف مرتبات الموظفين الحكوميين، وأعاق استيراد الأغذية حيث لم يتمكن المستوردون من الحصول على خطابات الاعتماد اللازمة للشراء من الخارج، وضرب بنية الاقتصاد في صميمها لولا لطف الله وعونه لحدث الانهيار حينها.
قام تحالف العدوان بالسطو على ودائع البنك واحتياطاته في الخارج، يقوم التحالف المارق بنهب الثروات النفطية والغازية، يقوم مرتزقته بنهب الجمارك ويفرضون الإتاوات في عدن ويسرقون المرتبات ويقطعون الأوصال والوضع المعيشي لا يخفى في عدن والمحافظات المحتلة، لا حصر لحجم المنهوب من النفط لكن بعض الأرقام تتحدث عن 15 مليار دولار.
تصل عائدات ما تنهبه دول العدوان من النفط إلى ما يقارب 300 مليون دولار شهريا مع ارتفاع أسعار النفط عالميا، لو تم إيداع هذه العائدات مجرد إيداع فقط في أحد بنوك اليمن لحافظ على سعر العملة في حدود ثلاثمائة ريال للدولار الواحد، لغطى صرف المرتبات للموظفين، لحافظ على الأسعار لخفف عن اليمنيين وطأة المعاناة، لكنها تذهب لحسابات دول العدوان وتودع وتورد إلى البنك الأهلي السعودي، لتعود السعودية ودويلة الإمارات على بعض اليمنيين بالادعاءات أنها تساعدهم!
يعاني اليمنيون من أزمات وقود متصاعدة فيما تنهب دول العدوان ثروات اليمن النفطية والغازية بشكل يومي، تذهب بها إلى موانئها وتذهب عائداتها لحساباتها.. يعيش اليمن أسوأ أزمة وكارثة إنسانية فيما تعيش دول العدوان بحبوحة ارتفاع عائدات مبيعاتها من النفط .. لا يطمع اليمنيون إلا إلى حياة آمنة وعادلة ومستقرة وكريمة، لكن الغرب وأمريكا وممالك النفط لا تعترف لليمنيين بذلك الحق وتسعى لسلبه.
اليوم لا شك أن ارتفاعات النفط العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ستزيد من معاناة اليمنيين، لكن المعاناة المضاعفة هي أساسا بالحصار والعدوان، ومما لا شك فيه أيضا أن اليمنيين يعانون ويموتون ويجوعون بالحرب والحصار الذي تقوده أمريكا والغرب ضدهم، وقد يكون من المهم مناقشة سبل مواجهة انعكاسات هذه الأزمة، لكن القضية التي لا تحتمل النقاش هي مواجهة هذه الحرب الأمريكية القذرة وانتزاع حقوقنا من براثن سطوتها ومرتزقتها وعملائها، فهذه الحرب بكل أشكالها هي التي تسببت في وضع كافة اليمنيين على حافة الهاوية.. والله من وراء القصد.