جائحة فيروس كورونا العالمية في العام 2020م وجائحة العدوان السعودي الإماراتي على اليمن لـ (2015— 2020م)
بقلم / أ. د عبدالعزيز صالح بن حبتور” رئيس حكومة الانقاذ اليمنية “
صرخ العالم أجمع من وصول الضيف الثقيل إليه وهو فيروس كورونا، الذي اجتاح العالم الغني قبل الفقير ومن شدة ألم العويل انهارت معها النظم الصحية التي تباهى بها النظام الرأسمالي لعقود خلت وبالتالي دفع بالسياسيين إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الإدارية والمالية بهدف إنقاذ شعوبهم وبلدانهم، إن بلداناً كبيرة تنتمي إلى الدول الصناعية الكبرى في العالم عجزت أمام زحف الوباء القاتل، وطلبت النجدة والاستنجاد بالجار الشقيق الحليف ولكنهم لم يسمعوا استغاثاته وعويله ولم يشاهدوا حتى قوافل توابيت الضحايا من هذا العدو غير المرئي والذي لم يُشاهد بالعين المجردة لأنه مجرد (فيروس).
إيطاليا تذكرنا بـ (روما القديمة) البلد الموصوف بـ (حضارة القوة والعنف) وهي احدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي أي أنها الجارة القريبة من حلفائها وسندها وأهلها لم يستمعوا قط لصراخها ووجعها، ولم يسمع أنين موتاها سوى ذلك السلافي الروسي البعيد نسبياً الذي قرر نجدتها وإسعافها بالطواقم الصحية، كذلك الحكومة الصربية و هُم جزء أصيل من أوروبا، حاولوا الاستغاثة بها ورفعوا أصواتهم لطلب النجدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولم يسمعهم احد، وقد صرخ علناً رئيسها السيد/ ألكسندر فوسيتش، ليطلب بعدها العون والنجدة من الصين ذي العرق الأصفر حينما خذله أشقائه من ذوي العرق الأبيض والشعر الأشقر، الصين الشعبية (الرأسمالية الاشتراكية معاً) القابعة في أقصى الشرق شَعَرت بأنين الأوروبيين من الإيطاليين والإسبان واليونان والنمساويين وغيرهم، ولذلك هبّ التنين الصيني لنجدتهم ونجدة أزيد من 90 بلداً (تسعون بلداً) بالكرة الأرضيّة برمتها لمجابهة هذا الوباء ( (Covid 19 الشرير.
لكن الرئيس الفرنسي ماكرون اشتاط غضباً من الحكومة الإيطالية ليقول لها علناً عليكم أن لا تمدحوا الصين وروسيا على ما قدموه من مساعدات طبية إنسانية والأصل أن تقوم أوروبا بالمساعدة، وتوجه بانتقاد لاذع لنرجسية وأنانية الدول الأوربية لأنها لم تقدم ما يجب أن تقدمه لأشقائها من الجيران من مساعدات وهنا يقصد دول شمال أوروبا الغنية كالدول الإسكندنافية وألمانيا.
مَن مِنا لا يتذكر جزيرة صغيرة تقع في منتصف القارتين الأمريكيتين الشمالية والجنوبية، هي جمهورية كوبا الاشتراكية التي تحررت منذ ستين عاماً من نظام ديكتاتور فاسد هو (نظام باتيستا) عميل الولايات المتحدة الأمريكية القوي في ذلك الزمان، ومُنذ اليوم الأول لاستقلال وتحرر كوبا الاشتراكية، فقد قررت أمريكا أن تضع كوبا الجزيرة الصغيرة ودولتها الاشتراكية والشعب الكوبي الصديق تحت الحصار السياسي والاقتصادي الظالم، حصار شامل كامل مع إلزام جميع حلفاء أمريكا بالحصار والمقاطعة ضد هذا الشعب الحُر، هذا البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه عن 11 مليون نسمة، قد قرر أن يعيش حراً بعيداً عن الوصاية الأمريكية واتّبع نظاماً اجتماعياً واقتصادياً وتعليمياً اشتراكياً، نتج عنه أنه طور التعليم بشكل عام وكذلك طور النظام الصحي لديه وأصبح يرسل الأطباء والخبراء إلى أزيد من 60 دولة حول العالم بما فيها خبرات مهمة لمحاربة جائحة فيروس كورونا، تخيلوا هذا المشهد لوحده لبلد محاصر وفقير لأزيد من ستة عقود ولكنه يساعد بلدان غنية تقع ضمن الدول الصناعية السبعة بالعالم، إنها حكايات ولا بالخيال.
الاتحاد الأوروبي يُفترض به أن تكون قارةً متحدة وبها نظام صحي متقدم تستطيع أن تواجه هذا الإعصار الكاسح للفيروس، لكنه للأسف عاد إلى زمن ما قبل الحرب العالمية الثانية، تحول إلى دول ودويلات وكانتونات متباعدة، فكل بلد اغلق حدوده السياسية على ذاته وانكفأ ومنع السفر منه وإليه وتشظت بذلك القارة الأوروبية العجوز من جديد في محاولة انعزالية أنانية لحل قضاياها بمفردها وسقطت كل الشعارات التي رسموا بها أحلام الأجيال المتعاقبة الغاية من تأسيس الاتحاد، أهم أهدافه هو لمواجهة أية حالة وكارثة طارئة قد تواجهها، كل تلك الأحلام تبخرت كالسراب بين عشية وضحاها.
حلف الناتو والمعسكر الرأسمالي الغربي هو الآخر قد تشكل لأسباب عدة، قد انهزم أخلاقياً أمام جائحة كورونا، فها هي قائدة هذا المعسكر (الإمبريالي) الولايات المتحدة الأمريكية أغلقت حدودها (من مطارات وموانئ) أمام حليفها الأكبر في الحلف وهو الاتحاد الأوروبي، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره بالإغلاق دون حتى إبلاغهم عبر تغريدةٍ صغيرة بصفحته الشهيرة في (تويتر) مع إنها عادة يومية درج عليها السيد/ ترامب، حينما يقرر أن يحدد توجهاته وسياساته وحتى نزواته، فيعبّر عنها عَبر هذه الوسيلة، للأسف وحتى عَبر هذه الوسيلة لم يكلف ذاته على كتابة تلك الأسطر قليلة الحروف والكلمات ، وكأنه يريد أن يؤكد لحلفائه بلغة التعالي وربما الاستخفاف بهم جميعاً بأنهم حلفاء فاقدو القيمة والأهمية في الاستراتيجية الأمريكية كلها، الغريب في الأمر بأن الرئيس دونالد ترامب هو كثير التصريحات الإعلامية المكتوبة والشفوية غير الصحيحة والكاذبة أحياناً، قد اجتهد عدد من الإعلاميين الأمريكيين وجمعوا عدد تصريحاته الكاذبة التب بلغت ما يقارب من 14367 تصريحاً كاذباً ومتناقضاً، لا بل الأكثر غرابة في سلوكه غير السوي أنه عرض على شركة ألمانية طبية تُسمى (كيورفاك) وتعمل في إنتاج الأمصال واللقاحات، عرض عليها أن يشتريها بشرط أن تكون تحت تصرف الأمريكان، أَي أنه يحتكر إنتاجها، لكن الألمان صدوه وقالوا له إن ألمانيا الكبيرة ليست للبيع.
كان الاستثناء في قراره الغريب هو أن بريطانيا (العظمى) لا يشملها قرار الإغلاق للحدود الأمريكية، وكأنه لازال ذلك الإنسان الأمريكي الذي يشعر بعقدة النقص أمام المستعمر القديم الذي أسس لهم المدماك الأول لانطلاق (العصر الأمريكي).
نعود إلى هذا المخلوق الشيطاني الصغير الذي لا يُرى بالعين المجردة إنه قد هز العالم بأسره وانجز الأرقام القياسية في مرض البشر وتعطيل الحياة وربما التحضير لما يسمى اقتصادياً بالكساد الكبير، وربما لازال في طريقه إلى إنجاز العديد من الأضرار الكبيرة بالإنسانية جمعاء، لم يفرّق ذلك الفيروس الشرير بين مَلك وأمير ورئيس ووزير وعامل وطبيب وفنان ورياضي وجندي وشاب وكهل، فقد تابع العالم كله بأن الفيروس أصاب ملك ماليزيا الإسلامية، كما أصاب ولي عهد ملكة بريطانيا المسيحي ورئيس وزراء في بريطانيا وعدد من وزرائه، كما حصد عدداً من القيادات الإيرانية المسلمة وأصاب السيدة الأنيقة افانكا ترامب وتم الحجر عليها للمدة التي حددها الأطباء لها، كما أصاب زوجة رئيس وزراء كندا، وحتى القادة العسكريين في كلٍ من الشقيقة مصر والمارينز الأمريكي، ومستشارة رئيس وزراء دولة الاحتلال الصهيوني، نعم إنه فيروس خطير جداً.
تخيلوا معي منظر مطارات العالم اليوم في كلٍ من أوروبا وآسيا وأمريكا وبقية أنحاء العالم بأن ما يزيد عن 90% منها أصبحت رابضة منبطحة في مواقفها. السؤال هنا كم ستخسر الدول والشركات التي استثمرت المليارات في هذا النشاط في يومها الواحد؟!!، أليس في ذلك حكمة ربانية سماوية وتحدي عنيف لقوى الطبيعة ضد أنانية الإنسان وجشعه غير المحدود وهو يلهث كالوحش الكاسر لزيادة استنزافه للطبيعة وخيراتها ونسي بأن الطبيعة لم نرثها من أحد بل إنها سُلمت لنا كأمانة فحسب، استلمناها من الجيل السابق ومهمتنا تسليمها سالمة معافى للأجيال اللاحقة من بني الإنسان !!!.
بطبيعة الحال فإن الجائحة بدأت من الأراضي الصينية من مدينة ووهان في نهاية ديسمبر2019م، وتعاملت معها القيادة الصينية المركزية بحزم وشدة ولكن كان بالتعاون مع الشعب الصيني الواعي والتزامهم بالتعليمات الصارمة التي كانت تصدر من الأجهزة الحكومية الرسمية، ولذلك وبعد قرابة ثلاثة اشهر استطاعت الصين ونظامها الإداري والصحي والأمني من حصار الوباء، فالعالم راقب ما يحدث في الصين باعتباره تحدياً كبيراً حولته القيادة الصينية وشعبها الواعي إلى فرصة كبيرة، واستطاعت بتلك الإجراءات أن تتجاوزه بشكل تدريجي استحق إعجاب وتقدير واحترام الرأي العام العالمي ومنظمة الصحة العالمية.
لقد تضرر من هذا الوباء العديد من بلدان العالم وكان من ابرزها جمهورية إيران الإسلامية ومات بسببها شخصيات دينية وسياسية كبيرة، وكان المانع في صد إيران للجائحة هو الحصار الجائر التي تفرضه أمريكا على إيران منذ أربعين عاماً تقريباً، ولا زالت تفرض وتشدد الحصار وكان آخرها قبل أيّام من كتابة هذا المقال، الغريب في الأمر أن أمريكا وفِي ذروة اجتياح الجائحة للعالم لازال هوس السيد/ دونالد ترامب وفريقه في البيت الأبيض مستمراً في التضييق والحصار على الشعب الإيراني بمنعه من استيراد المعدات الطبية والدواء وخلافه، وهوس الحصار الأمريكي (الترامبي) قد شمل روسيا الاتحادية وكوبا الاشتراكية وفنزويلا البوليفارية وكوريا الديمقراطية والصين الشعبية.
فالعالم العربي يتذكر بحسرة وألم قصص وحكايات الحصار الأمريكي الاقتصادي والسياسي على شعوبنا العربية في كلٍ من مصر عبدالناصر، العراق، سوريا، فلسطين المقاومة، ليبيا الجماهيرية، لبنان المقاومة واليمن الجنوبي سابقاً، وهذا هو سلاح أميركا المتصهينة ضد الشعوب الحرة.
ماهي المترتبات المباشرة لسياسة العزل الاجتماعي الذي يُمارس على مستوى قارات العالم أيامنا هذه؟!! هناك مترتباتٍ مباشرة وأخرى غير مباشرة صعقت الاقتصاد العالمي برمته وستؤدي حتماً إلى ضياع ملايين فرص العمل حول العالم، كما سيتبعها إفلاس العديد من الشركات والمصانع الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، أما على مستوى نشاط بورصات العالم فنشاهد الخسائر الهائلة في البورصات والأسهم العالمية في جميع المتروبولات العالمية، كل تلك المعطيات ستقود حتماً إلى مرحلة الركود الاقتصادي وصولاً إلى مرحلة الكساد العظيم وسيكون اشد وطأة من الأزمة المالية العالمية الكبيرة التي حدثت عام 2008م، وربما اشد تأثيراً من الأزمة الاقتصادية العظمي التي حدثت في الثلاثينات من القرن العشرين، أي قُبيل الحرب العالمية الثانية، وسيبرز دون شك نظام اقتصادي عالمي جديد تختلف فيه المعايير عن ما تعودنا عليه في هذا النظام الأحادي القطبية، وستدفن معها نظريات (نهاية التاريخ) كما تنبأ بها المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما وآخرين من مدرسته اليمينية، بأن نهاية التاريخ قد حلّت بانهيار منظومة الاتحاد السوفيتي الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لنقول هنا بأن التاريخ سينتقل مركز الثقل فيه إلى الشرق الآسيوي بدلاً من احتكاره لقرون خلت في الجانب الغربي من كرتنا الأرضيّة ، وأتذكر أن السيد/ مهاتير محمد رئيس ووراء ماليزيا السابق وأستاذ آخر من اليابان قد كتبوا كتاباً مشتركاً في مطلع التسعينات حينما برز نجم النمور الآسيوية آنذاك، أوردوا فيه قراءتهم العلمية لمستقبل شرق آسيا، ومن بين ما قالوه على العالم أن يبدأ بِتَعلُّم لُغات وثقافات الشرق ومن بينها الاستماع للموسيقى الآسيوية والتلذذ بالأطباق الغذائية وتَعلُّم الأكل بواسطة أعواد الأكل، يبدوا أننا اقتربنا قليلاً من هذا الزمن الذي سيدحر وينهي فكرة العولمة التي روّج وأسس لها النظام الغربي الرأسمالي في مطلع السبعينات من القرن العشرين بهدف السيطرة والاحتكار على الأسواق العالمية.
هذا مدخل مكثف ومختصر حول الجائحة العالمية والتي سيتضرر منها العالم واقتصادياتها الكبيرة منها والصغيرة وقد تنهار نظم سياسية ودول عدة جرّاء المرور العنيف لهذا الوباء العاصف ببلدانهم، لكن ولأن النظام السياسي الاقتصادي قائم على أساس آلية السوق الحرة في الأسواق المحلية والعالمية والتي روّج لها غُلاة منظري الرأسمالية الجشعة، تلك النظريات التي اعتمدت على إبعاد دور الدولة في العملية الاقتصادية، فإن ما يحدث اليوم هو جزء من نتائج تلك الفلسفة والنظريات الاقتصادية (الاقتصادات الحرة والمطلقة).
أما ما سيتم توقعه بعد هذا الإعصار العالمي للجائحة من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية والتكتلات العسكرية والمالية والاقتصادية مع ما تتم قراءته من المشهد، فهذ يحتاج لمقالة أخرى اكثر تركيزاً على النتائج المتوقعة على مستوى النظام السياسي في العالم.
قراءة في المشهد اليمني في ظل استمرار العدوان السعودي — الإماراتي:
يدخل العدوان في هذا الأسبوع عامه السادس، وخلال الخمس السنوات المنصرمة من زمن العدوان، عمل المُعتدون على تدمير البنية التحتية عبر تدمير المنشآت والمصانع والمشاغل الخاصة والعامة كما أنه دمّر الجسور والجامعات والمعاهد الفنية والمدارس والجوامع ونُزل العمال وإصلاحيات المساجين وحتى مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة، كما عَمَد على تدمير المطارات والموانئ وإغلاقها، حيث تم إغلاق مطار صنعاء الدولي منذ أربعة سنوات في وجه المسافرين المدنيين والمرضى والطلاب ورجال الأعمال والأطباء والمهندسين وغيرهم من شرائح المجتمع، وتم تدمير المدن والآثار التاريخية في العديد من المواقع الأثرية وحتى المدن التاريخية المأهولة وحتى مشاريع المياه والصرف الصحي لم يسلم هو الآخر من عدوان طائراتهم ولا صواريخهم.
نشاهد في وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية الهلع الكبير في العواصم الأجنبية والعربية جرّاء اجتياح الفيروس وتحول الموضوع إلى الخبر الإعلامي الأول في جميع القنوات الفضائية، إنها بحق مصيبة حلت على العالم أجمع، وجاهزيته لمواجهة هذه الجائحة ضعيف في مُعظم البلدان الغنية منها والفقيرة، والملاحظ أنها كثرت التأويلات الإعلاميةٍ بشأن هذا الحدث ونتائجه القريبة والبعيدة على الشعوب والدول واقتصاداتها وغيره.
أما الحالة المُزرية في اليمن المُحاصر مُنذ العدوان السعودي – الإماراتي على الشعب اليمني هي أكثر بشاعة ومأساوية، وأنها حالة لا توصف وأكثر بكثير من ما يتعرض له العالم اليوم، وقد سردناها في اكثر من مناسبة، وقلنا للعالم ومنظماته الإنسانية أن تفهمنا وليس بالضرورة أن تتعاطف معنا أو تشفق علينا، لأننا أصحاب قضية وحق ونقاوم الأعداء عن حدودنا وحاضرنا ومستقبلنا واستقلال قرارنا، لكن هذا العالم الأصم لا يريد أن يسمع سوى صدى صوت مصالحه الأنانية، وأنه راغب باستمرار الحرب العدوانية لأنها توفر لهم فرص عمل يومية وشهرية مستمرة لمصانع أسلحتهم وذخائرها الفتاكة، أي أن الموضوعية في قول الحق للإنسان معدوم ويتم التستر على جرائم العدوان لأنها تتسق مع سياساته ومصالحه الأنانية القذرة.
إذا ما عرف العالم اجمع بأن هناك 20 مليون مواطن يمني يعانون من انعدام تام لسبل معيشتهم اليومية (قوتهم اليومي) بسبب العدوان والحصار، وهذه أرقام المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن التي صوروها وسماها بأنها أسوء كارثة ومأساة إنسانية يعاني منها الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية.
ماهي الأسباب الموضوعية لظهور الأمراض والأوبئة والمجاعة في اليمن جراء العدوان على النحو الآتي:
أولاً: إغلاق الأجواء والموانئ في اليمن في محافظاتها الحرة وعدم السماح للمواطنين بالسفر إلاّ عبر مطارات عدن وسيئون، وهذان المطاران يبعدان زمنياً عن العاصمة صنعاء في المتوسط قرابة عشرين إلى ثلاثين ساعة، كيف يمكن لنا أن نتصور بتحمل المسافر المريض والشيخ والطفل لهذه المدة الطويلة بالسفر في ظل الأوضاع غير الطبيعية للبلد جرّاء الحصار والعدوان.
ثانياً: تم تدمير العديد من المنشآت الصحية من مستشفيات ومراكز صحية ومراكز إيواء التي تم قصفها بواسطة الطائرات المُعتدية وإخراج العديد منها عن خدمة المرضى.
ثالثاً: تم قصف وتدمير المنشآت التابعة لوزارة المياه والبيئة كخزانات المياه والآبار ومواقع الصرف الصحي مِما اثر على دور هذا القطاع الحيوي في حياة المواطنين.
رابعاً: انقطاع رواتب الموظفين في القطاع الصحي وكذا في قطاع الخدمات المتصل بحياة المواطنين مما عكس ذاته على الوضع المعيشي والخدمي لجموع الموظفين في الأجهزة التي تتصل بتقديم الخدمات الصحية المباشرة وغير المباشرة لجموع الناس.
خامساً: تم إغلاق مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة اللذين يخدمان قرابة 85% من سكان الجمهورية اليمنية، مما اثر سلباً على وصول الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية وهذا بدوره انعكس على مدى تقديم الخدمات للمدنيين من المواطنين.
سادساً: يتذكر العالم بأن هناك أوبئة وجائحات من نوع أمراض الكوليرا والدفتريا والبلهارسيا قد مرت على اليمن في سنوات العدوان وحصدت منهم الكثير ولكن قادة العالم تعاملوا معها بروح الاستخفاف والتبسيط وكأن ضحايا تلك الأوبئة بشر من نوع آخر.
من خلال استعراض النقاط سالفة الذكر تكون السعودية والإمارات هما المتسبب الأول في كل تلك المعاناة التي يتعرض لها قرابة 30 مليون مواطن يمني، يتم وضع كل تلك العراقيل أمام معيشتهم وحياتهم الاعتيادية، فالعدوان يشن مئات آلاف من الغارات الجوية ويرسل أزيد منها كصواريخ أرض-أرض وكذلك يوجه صواريخه من بوارجه الحربية الملاصقة بمياهنا الإقليمية.
كيف سيفهم المواطن اليمني البسيط التعليمات التثقيفية الإعلامية لمنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اليمنية حول غسل اليدين بالماء والصابون لمدة عشرين ثانية وهو لا يجد الماء النظيف الصالح للشرب؟!!.
كيف سيفهم أن معنى العزل الاجتماعي الطوعي أو القسري وهو الذي يحاول أن يقي ذاته من هجوم الطائرات المٌعتدية التي لم تتوقف حتى لحظة كتابة اسطر هذه المقالة؟!!.
كيف سيفهم ومُعظم الشباب العمال الذين يعملون بالعمل اليومي لكسب قوت يومهم بسبب قطع رواتب الموظفين في الجهازين المدني والأمني والعسكري التقاعدي؟!!.
هذه التساؤلات السهلة تقابلها إجابات صعبة ومعقدة إذا ما عرفنا أن خمس سنوات عجاف من سيطرة (الجائحة) السعودية –الإماراتية على اليمن وهي المتسبب الرئيسي في كل مأساة اليمن من أقصاه إلى أقصاه، والعالم يعرف ذلك الوجع الذي يكابده شعبنا لكن المعضلة بأن دول العدوان غنية وتعد مصدراً هاماً لاستيراد الأسلحة بأنواعها وهي بلدان تعد من الملاذات الاستثمارية الآمنة للتهرب الضريبي من البلدان الصناعية في كلٍ من أميركا وأوروبا، ولهذا فالعدوان على اليمن هو مصدر استثماري هام لتلك البلدان.
لقد تابعنا حديث ملك المملكة السعودية في قمة الدول العشرين ذات الاقتصادات القوية، استمعنا إليه وهو يقول لقادة البلدان العشرين وعبر نظام (فيديو كونفرنس) بأنه سيقدم المساعدات المالية لمواجهة جائحة فيروس كورونا على مستوى العالم، لكنه تناسى وبحكم سنه المتقدم بأن مملكته المتوحشة تُمارس القتل شبه اليومي بحق الشعب اليمني مُنذ خمس سنوات والنتيجة من ذلك العدوان هو إهدار دماء وأرواح اليمانيون ويستنزف طاقاتهم وإمكاناتهم، وتناسى بأن الرأي العام العالمي قد أدان وبشدة ذلك العدوان الذي تحول إلى نزيف أخلاقي وديني وإنساني لقادة تحالف دول العدوان ضد اليمن.
الخلاصة: إن اكثر المتابعين النجباء للوضع العام في العالم على صعيد الأزمات الإنسانية، يدركون إنه لا فرق بين ما تُحدثه جائحة فيروس كورون على مستوى العالم، وجائحة العدوان السعودي — الإماراتي على اليمن، فكِلا الجائحتين تسببتا في قتل الآلاف وربما مئات الآلاف من المواطنين الآمنين، إن كانوا هؤلاء في روما أو في مدينة ووهان أو العاصمة مدريد أو العاصمة برلين أو في مدينة نيويورك أو العاصمة باريس أو العاصمة بروكسل أو في العاصمة اليمنية صنعاء وبقية مدنها المتأثرة بجائحة العدوان، هذه هي الحقيقة المُرّة التي لا يريد قادة العالم للأسف فهمها واستيعابها ولا يريدون معها التعامل بحزم لإيقاف العدوان، وما لم يتوقف هذا العدوان الوحشي ويرفع معها الحصار ستطول جائحة السعودية والإمارات على الشعب اليمني الصابر المقاوم، والله أعلم مِنّا جميعاً.